"سجى الدليمي" مجرد فاصلة نسائية وسط جمل متشابهة من الرجال والدماء والدخان فوق صفيح منطقة شديدة الالتهاب والتشظي، أراد بها مخرج هوليودي غرير أن يغير مسار أحداث باتت لتشابهها مملة فوق صفيح منطقتنا اللاهب. لكن القصة التي ترويها زوجة زعيم داعش الهاربة تظل في حاجة إلى إعادة صياغة حتى يتسنى تمريرها. فالمرأة التي عاشرت زعيم أخطر عصابة دولية تتاجر بالدين والسلاح والنساء ثلاثة أشهر "لم تكن تعلم" أن زوجها المدرس الجامعي متورط في أنشطة إرهابية. وعلى المتشككين في صدق روايتها التحقق من مايا بلوم أستاذة التواصل بجامعة جورجيا، والتي تؤكد أن الرجل يعاني من انفصام في الشخصية وأنه أخفى سر أنشطته عن زوجته "الطيبة" لأنه يعلم في قرارة نفسه أنها "لن تحفظ سره".
وهكذا، قررت الدليمي أن تهرب من زوجها الذي "لم تكن تحبه" لأن زوجته الأولى والتي قاسمتها اللقمة والفراش "لم تكن تستحق وجود ضرة في مخدعها." وفي جنح ليل بهيم، خرجت سجى التي حملت في بطنها نطفة مخلقة من أستاذ الشريعة فانتبذت من أهلها مكانا قصيا، حتى جاءها المخاض في أحد السجون السورية، لتخرج بعد أعوام في صفقة أبرمها قادة النصرة مع الحكومة السورية. فسيدة القصر التي ركلت النعيم بإخمص قدمها، ورفضت أن تعيش في ظل "رجل" حتى وإن كان مدرسا جامعيا "خلوقا" يعود إلى البيت ليداعب أطفاله بمجرد انتهاء محاضراته الشرعية، لا تريد سوى "الحرية".
الدليمي لا تريد إلا الحرية وجواز سفر أوروبي يضمن لابنتها التي تريد أن تكمل دراستها بالخارج الحياة "الآمنة" لأنها لا تأمن مكر البغدادي الذي سيحاول حتما اختطاف ابنته والتي لم يعلم بوجودها إلا "صدفة". ولأن الدليمي لا تثق بحدود العرب ولا بقدراتهم على الحماية، فهي على استعداد لمفارقة أخيها القيادي في جيش النصرة، وتغيير نشاط زوجها المشتبه بتورطه في عمليات "إرهابية" هناك.
يبدو أن أمريكا قد بدأت تستعين مؤخرا بكتاب سيناريو عرب لا يجيدون غزل الأحداث وحبك الروايات، أو أنها لم تعد تخشى حس النقد الذي كانت تتمتع به شعوب المنطقة ذات وعي، أو أنها لم تعد تهتم كثيرا إن صدق العاجزون الروايات أو كذبوها. فالعبرة دوما بالنهايات، وثمار النهايات تصب دوما في حجرها.
لم تعد السيدة الدليمي برأس البغدادي في طبق من فضة، ولم تقص شعره لتنهار قواه ويتداعى معبد الخلافة فوق رأسه ورأس أتباعه القادمين من كل فجاج الأرض لتفوز بجائزة العشرة مليون دولار والتي نذرتها أمريكا لمن يأتيها برأس الرجل أو يدل حواماتها عليه. فالبتاجون قادر "بإذن الله" على جز رأسه بسيف "العدالة" والذي رفعه الكولونيل ستيف وارين في وجه داعش وأخواتها: "نقتفي أثره، وسنجده كما وجدنا معلمه مصعب الزرقاوي، وإمامه الأعظم أسامة بن لادن، وسنقتله."
رغم تحفظاتنا على رواية السيدة الدليمي والتي لا تقنع طفلا في العاشرة وإن كان عربيا، إلا أنها تظل الرواية الأعلى صوتا، حتى يصدر نفي أو تأكيد من الأستاذ الجامعي هشام محمد أو المدعو أبو بكر البغدادي والمطلوب السابع والخمسين عالميا على مقياس فوربس. لكن الشواهد كلها تؤكد أنه سيلقى حتفه قريبا ليلحق بساعده الأيمن عبد الرحمن القديلي ووزير دفاعه عمر الشيشاني، ليختفي صندوق المؤامرات الأسود، وإلى الأبد. لكننا لا ندري متى نتخلص من داعش وأخواتها أو متى تنتهي مسلسلات العم سام التي لم تعد تروق لمشاهد عربي يفضل المسلسلات التركية المدبلجة.
عبد الرازق أحمد الشاعر