أطفال الرب

أطفال الرب إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وصل ستة أطفال سوريين وذووهم بمعية البابا ليصل عدد "أبناء الرب" من المسلمين في حضانة الفاتيكان إلى عشرين. صحيح أن العدد "قطرة من محيط" كما صرح نيافته، لكنها رسالة إلى من يهمه الأمر، إن كان في هذا العالم ثمة من يهتم. في ساحة القديس بطرس بروما، وقف فرانسيس ليؤكد لجموع الحاضرين أن كل اللاجئين "أبناء للرب" لكنه لا يستطيع أن يحمل "محيط الآلام" المشتت بين خيام الفجيعة في اليونان إلى حاضنته الصغيرة، فسكان الفاتيكان لا يتجاوز عددهم ثمانمئة راهب كلهم من الرجال عدا الوافدين الصغار. لم يذهب "أطفال الرب" إلى حاضنة الرهبان بمحض اختيارهم، ولو كان الأمر بيدهم، لفضلوا الموت كمدا في حارات دمشق، لكن الفاجعة كانت أكبر من رؤوسهم الصغيرة، وكان والهول أعظم من عظامهم الطرية. لم يفهم القادمون من أقاصي الألم سبب هجرتهم غير الموسمية إلى اليونان، ولا سبب انتشالهم من قبل "المخلص" فرانسيس من آخر حدود اليأس، ولا يعرفون أين تنتهي رحلة أقدامهم الصغيرة، لكنهم يحمدون الله أنهم لا يزالون على قيد حياة (ليست كالحياة)، بينما رفاقهم الذين شاطروهم البسمة واللقمة ومباراة لم تكتمل يرقدون الآن تحت ركام الكراهية في بلاد لا تعرف غير الخوف والألم والموت. في "لسبوس" التقى نيافته ثلاثمئة لاجئ، بينهم مسلم ذبحت زوجته النصرانية أمام عينيه، لا لشيء إلا لأنها رفضت أن تخلع المسيح وتدخل في دين الملثمين القادمين من كل فج كريه ليكرهوا الناس حتى يكونوا "مسلمين". في سوريا، لا دين إلا العنف، ولا رسول إلا السيف، فإما أن يقتل المرء أو يهان، ومن لا يبسط يده ليقتل أخاه، فعليه أن ينتظر الموت القادم من كل مكان. أما الراغبون في البقاء فوق صفيح الوطن الساخن، فعليهم أن يخلعوا أديانهم أو تجز أعناقهم كخراف العيد بين تهليل وتكبير وحمد. لكن بابا الفاتيكان، نسي وهو يخلع لقب "شهيدة" من الدرجة الأولى على إحدى رعاياه في بلاد الرعب هنا أن يؤكد أن الموتى من "أبناء الرب" من المسلمين أيضا "شهداء"، وأنهم يموتون كل يوم بالآلاف لأنهم يرفضون الدخول في دين بشارهم أفواجا، وأنهم يذبحون من الوريد إلى الوريد لأنهم يرفضون قول "لا إله إلا بشار". يستطيع الباقون في معسكر "بطريرك بارثلوميو" اليوم أن ينتظروا قدوم المخلص مرة ومرة ومرة، ليأخذ من تبقى منهم إلى بلاد الروح القدس بعدما ضاقت بهم صدور المدن العربية، وازور عنهم إخوة العقيدة ورفاق التاريخ والجغرافيا. شكرا للأب فرانسيس الذي ألقى حجرا في محيط الدماء، فلطخ وجوه مشايخنا وعلمائنا الذين لم تحركهم نخوة أو كرامة لإنقاذ ما تبقى من طفولة في صدور المشتتين فوق صدور العواصم. عبد الرازق أحمد الشاعر Shaer129@me.com

تم عمل هذا الموقع بواسطة